إضاءات عن مدرسة SLM/A


 

الخرطوم :- آدم سليمان خاطر
إن التأثير الباهر الذي نقشه مواقف الحركة الطلابية على ذاكرة الثورة وتغيير المجتمعات يعتبر مثال عريض بأن الجامعة هي الفضاء الأرقى لاختمار الوعي وتخصيب الفكر الفاعل الذي يرحل بالمجتمعات إلى براحات الانفتاح في جدل تواصلها وتكييفها مع معطيات الوجود وشروط الحركة الإنسانية، وكان هذا الميدان المعرفي إطار عام يتفاعل فيه قوة أذرع المقاومة الثورية مع أفكار القراءة الفاحصة البناءة بأدوات الحوار المفتوح حيث اعتبر هربرت ماركيوز أحد أبرز منظري أفكار الحركة الطلابية إن الانتظامات الطلابية هي الخطر الأكبر الذي تهابه الأنظمة الديكتاتورية نظراً لمواقفها الصارمة من الطغيان وإنتهاك حقوق الإنسان، ويعتبر تاريخ الحركة الطلابية صفحة ذاخرة بالعطاء الإيجابي والفعل الرافض لكل أصناف الظلم حتى على مستويات التضامن العالمي من منطلق الإنسانية وحق الأخرين في صياغة حياتهم بما يرضيهم، حيث كان تظاهر الطلاب الفرنسيين ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر والاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة رفضاً لسياسيات أمريكا العسكرية في فيتنام أحداث فارقة في المسار العالمي لانتظام الضمير الإنساني ثورياً من أجل شل المظالم والشر على ترسيمات عالم نبيل مفعم بالحب والسلام.
من جانب كان واقع الحركة الطلابية في السودان غير منفصل عن هذا المسار الثوري المعتبر حيث درج النقابات والتكوينات الأخرى إلى الممارسة الثورية الفاعلة لتحقيق مرامي التغيير، رغم أن أنشطتها كانت مسكونة ببعض الظلال السلبية إلا أنها ظلت عصية عن التطويع الأيديولوجي والعسكري لجهاز دولة الإنقاذ وسجلت مواقف وتضحيات باسلة ومحترمة في دروب التغيير الوطني.
في خضم هذه الظروف العسيرة برزت شريحة شبابية تتبنى مفاهيم التحديث وتثوير العقل لإنتاج علاقات جديدة تدفع بالمجتمع نحو مصافي الحياة المستقرة، وفرضوا وجودهم كذراع طلابي لحركة/جيش تحرير السودان في فضاء الجامعات السودانية محصنين بالإرادة الواعية لشروط التغيير ومعانقة أشواق الجماهير بتأسيس دولة المواطنة العادلة، ورغم تعرضهم للقمع المتواصل ظلوا يقاومون سياسات الدولة الأداتية البوليسية وممارسة دورهم النضالي في دائرة الطلاب، وبجانب أخر كان حضورهم إضافة كبيرة للنشاط المعرفي في ميدان الجامعة حيث ساهموا بشكل معتبر في الإنعاش الفكري وترويض الذهنية التخصصية المتكلسة بالأدوات الممكنة لأداء أدواره في التغيير والإرتقاء وعبر تغذية منصات الحوار بمشروع (التحرير العريض)، ويعتبر هذا المشروع خارطة نظرية يتضمن ميكانيزمات لاختراق منظومة الهيمنة التاريخية للدولة السودانية وتحليل تراكيبها المأزومة بأدوات متينة والعمل على بناءها بأسس مغايرة وبتحصينات المواطنة التي تنحسر فيها كل تعقيدات التمييز الأهلي والبدائي والجغرافي لمصلحة الإنتماء الوطني وبمعايير الدستور المحترم، وكذلك الديمقراطية التعددية لمنع اختطاف الإرادة والشرعية على مستويات السلطة السياسية والاجتماعية وتقديم العلمانية كنظرية أبستيملوجية لفهم تراكيب الجدل الطافي عن افرازات مفاهيم الدين والدولة وتبديد العقل القطعي الغيبي والتواكلي في علاقته مع الإبداع وحركة التطور الإنساني وتفاعله مع المحيط الخارجي, إضافة لمفاهيم (الهوية السودانية) لضبط ترهلات سؤال الهوية الذاتية والعامة ولنسج أسطورة تواشج على معطيات المصير المشترك والتاريخ والذاكرة والأرض المشتركة، كذلك الطرح الواعي لمفهوم السلام ولمعانقة شغف الطمأنينة والاستقرار السياسي والاجتماعي والوحدة على مقاييس التعدد والتنوع وقيم الحرية وأبعاد الإرادة والحقوق.
بهذه المعادلات المقتطفة قدمت مدرسة طلاب التحرير نفسها وبأنها من عباءة حركة ثورية ضخمة وعززت هذه المدرسة وجودها كمنظومة وحركة فكرية رائدة ومحصنة بالوعي اللازم لفهم أنساق المعرفة الاجتماعية والسياسية من أجل حياكتها وبناءها بما يجب بمعالم وتضحيات عظيمة راسخة في ذاكرة النضال والثورة السودانية.

لاتعلیق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *