بقلم. الرائد/ أحمد حسين مصطفي
“والله لو ما إستلمت الفاشر رغم أنفكم خلال 48 ساعة حاطلع من دين النبي محمد” (القائل : لواء بمليشيا الدعم السريع )
شهدت الساحة السودانية في خلال اليومين الماضيين تحولاً دراماتيكياً في خطاب قائد مليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي بدأ في حالة نفسية سيئة في خطابه الأخير، بعد سلسلة من الهزائم الميدانية التي منيت بها قواته في معارك الفاشر، جبل موية، جبل مدو، وادي سندي، وبئر مزّة. أبرز ما لفت الإنتباه هو محاولة حميدتي لعب دور الضحية في حرب كان هو نفسه من خطط لها بعناية بالتعاون مع حلفائه السياسيين، بهدف فرض الإتفاق الإطاري بالقوة وتبادل المصالح السياسية، على أن يتمكن حلفاؤه من الإستفراد بحكم السودان، بينما يحتكر هو السيطرة على الأمن القومي والإقتصاد الوطني بعد نجاح إنقلابه علي المشهد السياسي في السودان قبل الحرب.
بعد فشل خطته الإنقلابية بالسيطرة علي السودان في ساعات كما كان يتوقعه هو بدون دراسة دقيقة ، لجأ حميدتي إلى أسلوب العقاب الجماعي ضد الشعب السوداني، إذ دمرت قواته كل ما يقع في طريقها من ممتلكات عامة وخاصة، بما في ذلك المستشفيات، المدارس، الجامعات، وحتى دور الأيتام مثل دار المايقوما لم يسلم منهم. هذه الأفعال لم تكن عشوائية، بل كانت جزءاً من إستراتيجية إرهاب المواطنين ومعاقبتهم على رفضهم لحكم المليشيا.
و الغريب حقاً، في خطابه، حاول حميدتي التملص من المسؤولية عن الحرب، معلناً أنه لم يكن موافقاً على الإتفاق الإطاري منذ البداية، وأنه كان قد حذر من عواقبه، و الحقيقة انه كان يهدد الناس اما الإطاري أو دمار البلد و سبق له و صرح بان الإطاري هو المخرج الوحيد للسودان. كما تبرأ من حلفائه السياسيين الذين كانوا يشكلون ركيزة أساسية لمخططه للاستيلاء على السلطة في السودان، هذا التراجع ليس إلا محاولة يائسة للهروب من تبعات الفشل العسكري الذريع. ولم يتوقف عند هذا الحد، بل تبرأ أيضاً من جنوده الذين يرتكبون الجرائم وينهبون ممتلكات الناس، مدعياً أنهم “متفلتون” وليسوا جزءًا من قواته الرسمية، و يا لها من لها من الرسمية!
.
أكاذيب حميدتي حول الفاشر وإتهاماته الباطلة ضد مناوي …
و قبل بضعة أشهر، كان حميدتي و جميع قياداته الميدانية في دارفور يتوعدون و يهددون بالسيطرة على الفاشر في غضون يومين، متعهدين بحسم المعركة لصالح قواتهم في ساعات اذا أرادوا دخولها. لكن الواقع أثبت العكس تماماً؛ فقد تمكنت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والجيش السوداني و شباب المقاومة الشعبية حتي الآن من صد الهجمات المتكررة على المدينة التي تجاوزت 142 هجوم حتي الان وتكبيد المليشيا خسائر فادحة، بل تمكن القوة المشتركة من فك الحصار و فتحت جبهات عدة ضد المليشيا بجميع انجاء دارفور و حققت إنتصارات كبيرة في جبل مدو، وادي سندي، الصياح و بئر مزة ما أدى إلى انهيار نفسي واضح لدى حميدتي، الذي ظهر في خطابه الأخير متنصلًا من مواقفه السابقة وخططه التي أشعلت الحرب من أجلها.
و المدهش أكثر ان حميدتي وجه إتهامات باطلة ضد الرفيق مناوي،المشرف العام القوة المشتركة، زاعماً أنه المسؤول عن إشتعال الأوضاع في الفاشر. وهي واحدة من الإسطوانات الفارغة القديمة المتجددة للمليشيا و حلفاءها بان الحركات التي خرجت من الحياد هم السبب في إشتعال الفاشر و غيرها من مناطق دارفور التي تجري فيها العمليات.
و هنا أود أن أوضح بعد الحقائق ليس دفاعا عن الرفيق مناوي بل تصويباً لمواقف تاريخية تعتبر الأهم من تاريخ السودان الحديث و أيضا لدحض محاولات قائد المليشيا للتملص من مسؤوليتة في الهجوم علي الفاشر و قتل المدنيين و نهب ممتلكاتهم، و هو ما يدع المجال للشك أن مليشيا الدعم السريع كانت تعد العدة للهجوم على الفاشر قبل أشهر من اندلاع المعارك فيها. و ذلك يستدعي أن اسرد تفاصيل آخر اجتماع حول الوضع في الفاشر و الضعين مع قيادات الدعم السريع في منتصف نوفمبر الماضي، اجتمعت وفود من هيئة القيادة والسيطرة بالقوة المشتركة بقيادة الفريق جابر إسحق والفريق صالح عثمان جبل سي مع قادة مليشيا الدعم السريع في غابة حمادة على تلة جبل مسكو بمنطقة شنقل طوباي جنوب الفاشر. ضم وفد الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو شقيق حميدتي، اللواء عبدالرحمن جمعة بركة الله قائد قطاع غرب دارفور بالمليشيا، واللواء النور قبة أحد قيادات قطاع شمال دارفور بالمليشيا. كان الإجتماع حول موقف القوة المشتركة من الهجمات و إنتهاكات المليشيا علي كل القري و المناطق الآمنة في دارفور و المدن التي تسيطر عليها و هجومها المرتقب علي الفاشر و الضعين حينها.
في بداية الإجتماع، واجهنا قادة المليشيا بتناقض خطابهم الذي يدّعي محاربة “الكيزان” و “الإسلاميين” مع ممارساتهم الفعلية في أرض الواقع، والتي شملت قتل الأبرياء، إرتكاب جرائم إبادة جماعية، ونهب البنوك والمؤسسات العامة والخاصة في مناطق متعددة من دارفور، الخرطوم، كردفان، والجنينة. كانت هذه الأفعال لا علاقة لها بأي صراع مع “الكيزان” بل كانت تستهدف الشعب السوداني وممتلكاته.
و كان ردهم كما هو متوقع : ديل متفلتين ما تابعين
ثم بدأنا النقاش حول حول الوضع الأمني في دارفور، و بدأنا برفضنا التام لإحتلال المدن بدارفور بهذا الشكل و تشريد المواطنين منها كما حدث في زالنجي و الجنينة و نيالا و طالبناهم بسحب قواتهم، و كان ردهم المدن التلاتة دي موضوعا منتهي انحن دايرين نسيطر علي الفاشر و الضعين نطلب منكم تشكيل قوة مشتركة معانا للسيطرة علي دارفور و مناصفة السلطة و مع الإحتفاظ بوضعكم في إتفاقية جوبا بما فيها حكومة إقليم دارفور.
و رد وفد القوة المشتركة:
نحن نري الدعم السريع الآن أصبحت يدها ملطخة بدماء الشعب السوداني بكل مكان و نحن لم و لن نشترك معكم في شي بعد اليوم لا أمنيا ولا سياسيا و الآن يهمنا امر ألمواطنين في المدن التي أصبحت تحت سيطرتكم يجب سحب قواتكم بعيدا عن المدن حتي يعود المواطنين
إليها لممارسة حياتهم دون زعر أو خوف.
تدخل اللواء عبدالرحمن جمعة بركة الله، و قال لو ما دايرين تشتركو معانا حندخل الفاشر و الضعين زاتو بكرة و أنتو شوفو ليكم حتة أمشوا ليها.
رد المشتركة:
الفاشر دي صعبة عليكم، و حتي المدن الأخري التي تسيطرين عليها الآن بعد انسحاب الجيش السوداني هي ملك لمواطني دارفور يجب أن تعاد لأهلها و ليست لكم و سنعيدها منكم لمواطني دارفور.
و رد عبدالرحمن جمعة قائلا : “والله لو ما استلمت الفاشر رغم انفكم خلال 48 ساعة حاطلع من دين النبي محمد” يقصد ترك الإسلام.
و بعد سخونة الحديث تدخل عبدالرحيم و قائلا بكل إستفزاز: المهم طالما رافضين انحن عندنا ليكم ثلاث خيارات بنسبة للفاشر !
1. الخيار الأول: طرد “جيش الجلابة حسب قوله” (الجيش السوداني) من الفاشر و إستلمو المدينة انتو و نخليها ليكم.
هنا يقصد استخدام الحركات المسلحة لضرب الفرقة السادسة مشاة.
2. الخيار الثاني: الإنسحاب من الفاشر لمدة 48 ساعة حتى نحسم الجيش السوداني و الوضع العسكري، ثم العودة إلى المدينة.
3. الخيار الثالث:امشو اقعدو مع جيشكم و انتظرونا نجيكم.
ردنا كان واضحاً: “سنلتقيكم في النقعة”، مؤكدين أن الفاشر خط أحمر. فور انتهاء الاجتماع و نحن في طريق عودتنا الي الفاشر خارج تغطية الشبكات، نشرت المليشيا بيانًا كاذباً عن وسائط التواصل الإجتماعي عن اتفاق مزعوم مع القوة المشتركة للانسحاب من الفاشر،و تشكيل قوة مشتركة معها، و عندما وصلنا الفاشر تفاجأنا بان المواطنين في حالة خوف و هلع و يعدون العدة للنزوح من الهجوم المرتقب بعد الإنسحاب المزعوم للمشتركة في بيان المليشيا الكاذب لكن بمجرد عودتنا إلى الفاشر، قمنا بإصدار بيان فندنا فيه هذه الأكاذيب بالنفي المطلق ، وأكدنا التزامنا بالبقاء و بحماية المدينة والمواطنين و ذلك اسهمت في صمود المدينة الي اليوم.
و هذا يدل علي الحقيقة البائنة للجميع بأن الدعم السريع هي من نقلت الحرب الي مدن إقليم دارفور بعد فشله في السيطرة الكاملة علي العاصمة الخرطوم بعد شهور من محاولتها الإنقلابية لذلك المليشيا تتحمل مسؤولية تدمير السودان و تشريد الشعب السوداني و نهب ثرواته بسبب تهورها في الإستيلاء علي السلطة بالقوة و ممارسة العقاب الجماعي و تتحمل تبعات تدمير دارفور و مدنها و إبادة مواطنيها بعد نقلها الحرب الي المدن و القري في هذا الإقليم من أجل المحاولة الفاشلة للسيطرة عليها لتنفيذ الخطة ب و هي السيطرة علي دارفورو فصلها عن السودان.
و بعد ذلك الإجتماع بشهور حاولت مليشيا الدعم بهجمات متكررة بالسيطرة علي الفاشر لتحقيق مشروعها السلطوي الإنفصالي في إقليم دارفور بعد فشل مشروعها للسيطرة علي السودان و فتحت لها دولة الإمارات جسر جوي مفتوح بتعاون أغلب جيران السودان بدعم المليشيا بأحدث الأسلحة و العتاد و تسهيل إنتقال المرتزقة حاصرت مدينة الفاشر و شنت لها هجوم بري و جوي بالمسيرات لعدة شهور و وصلت الهجمات حتي اليوم الي ما يتجاوز 142 هجوم و تم هزيمتها في جميع هذه الهجمات و منيت بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد و أصبحت الفاشر هي مركز الإستنزاف للمليشيا حيث تم فيها القضاء علي أغلب و أشرق قادتها الميدانيين علي راسهم الهالك علي يعقوب و قرن شطة و زعيم المعارضة التشادية مهدي بشير و القائمة تطول و هزائم اخري في كل الجبهات ضد المليشيا و هي خسائر بالتأكيد ظهرت تأثيرها في الحالة النفسية لقائدهم في ظهوره الأخير.
و الآن مضت تلك الساعات، والأيام، والأسابيع، وحتى الشهور، وما يقارب سبعة أشهر منذ بداية الهجوم على الفاشر و المدينة صامدة و لم تسقط و لن تسقط بكل تأكيد، ولا أعلم ماذا جرى لعقيدة اللواء عبدالرحمن جمعة بركة، قائد الدعم السريع بغرب دارفور، الذي أقسم بالله تحت تلك الشجرة أنه سيخرج عن دين النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إن لم يسيطر على الفاشر خلال 48 ساعة رغم أنف القوة المشتركة. رغم أن الأمر لا يهمنا كثيرًا فيما يتعلق بحالته العقدية، إلا أن ذلك الموقف يعكس وهم الغرور الذي يعيش فيه قادة هذه المليشيا، الذين يسكرون بوهم القوة عندما يمتطون ظهر المدرعات والآليات العسكرية الإماراتية، معتقدين أن بإمكانهم تحقيق كل شيء بسهولة. لكن سرعان ما يصطدمون بالواقع المرير ويُفاجأون بالفشل، فتبدأ الهضربة النفسية كما حدث لقائدهم محمد حمدان دقلو قبل يومين، عندما ظهر في خطابه الأخير بمظهر الفاشل المكسور نفسياً.
والجدير بالذكر أن اللواء عبدالرحمن جمعة بركة هو نفسه الذي غدر بالرفيق الشهيد خميس أبكر، والي غرب دارفور السابق، وقام بتصفيته بدم بارد، في فعل جبان يضاف إلى سلسلة جرائم هذه المليشيا ضد الشعب السوداني.
و أخيراً
محاولة حميدتي لعب دور الضحية والتلاعب بالمواقف والتبرؤ من حلفائه وجنوده، ما هي إلا محاولات بائسة للهروب من الفشل العسكري والسياسي. الشعب السوداني يعرف الحقيقة، والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح تظل واقفة في الميدان لحماية المواطنين والممتلكات ومواصلة النضال حتى تحرير السودان من قبضة مليشيا الدعم السريع.
لاتعلیق